کد مطلب:187312
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:260
و سلاحه البکاء (08)
جثم صمت رهیب فوق المكان و ألقی الحزن كلاكله كغراب اسطوری؛ و القلوب الصغیرة الظامئة تصغی الی أصوات بعیدة تأتی من جهة الفرات كعواء ذئاب جائعة فی لیلة شتائیة. قالت امرأة اسمها زینب:
- لقد اقترب العدو.
التفت الحسین الی أخیه.
- انهض لتری ماذا یریدون.
عوی ذئب من بعید:
- الاستسلام أو الحرب.
هتف حبیب مستنكرا:
- بئس القوم أنتم غدا عندالله.. أتقتلون سبط النبی... و قوما متهجدین بالأسحار یذكرون الله كثیرا.
قال عزرة و قد برقت عیناه بشهوة الغزو:
- انك تزكی نفسك ما استطعت.
[ صفحه 27]
رد زهیر.
- ان الله قد زكاها یا عزرة. لقد سولت لكم أنفسكم أمرا عظیما.
- و متی كنت شیعة للحسین یا زهیر؟!
- جمع بینی و بینه الطریق... فذكرت به محمد.
قال عزرة بصفاقة:
- اننا نمتثل لأمر خلیفته.
- یزید!!
- أجل أمیرالمؤمنین یزید.
هتف العباس لیضع حدا للمرارة:
- اذن امهلونا هذه العشیة الی غد.
رد ابن سعد و قد ذهبت به الظنون:
- الی غد... ولكن اما الاستسلام أو الحرب.
أصدر ابن سعد أمره بالانسحاب، و شیئا فشیئا انحسرت قعقعة السلاح و كفت الخیل عن الصهیل و لم یبق سوی أصوات تشبه عواء الذئاب فی لیالی الزمهریر.
تسمر التاریخ عند خیمة أضاءها سراج واهن... كان یصغی الی كلمات آخر الأسباط.
- أحمدك اللهم علی أن أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن وفقهتنا فی الدین و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة و لم تجعلنا من المشركین.
كانت نظراته الدافئة تغمر رجالا ینشدون الموت من أجل
[ صفحه 28]
الحیاة، فانسابت كلماته كنهر هادئ:
- انی لا أعلم أصحابا أوفی من أصحابی و لا أهل بیت أبر من أهل بیتی... و انی أظن أن یومنا من الأعداء غدا؛ و انهم انما یطلبوننی و لو أصابونی لذهلوا عن طلب غیری، فانطلقوا جمیعا و هذا اللیل فاتخذوه جملا و لیأخذ كل رجل منكم بید رجل من أهل بیتی و تفرقوا فی المدن البعیدة.
- و أنت یا سیدی؟
- ما كان للحسین أن یفر.
- ما قیمة الدنیا كلها سواك.
قال ابن عوسجة:
- والله لو لم یكن معی سلاح لقاتلتهم بالحجارة.
و قال الحنفی:
- لو قتلت سبعین مرة ما تركتك فكیف و هی قتلة واحدة.
و قال زهیر و هو یتطلع الی وجه مضمخ بعبیر النبوات:
- لو قتلت ألف مرة فلن أدعك وحیدا.
و فی تلك اللحظات حیث تلتحم السماء بالأرض أشار الحسین فانكشفت الآفاق عن جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض... جنات من نخیل و أعناب و الأنهار الخالدة تتدفق مطردة بدا الفرات ازائها كخیط من الملح و الرماد.
[ صفحه 29]